قصيدة مَنْفَى الخَيَالاتِ

مَنْفَى الخَيَالاتِ


بتُّ أُفتشُ في منفى خيالاتي

عنكِ .. بلا شُعَلٍ في وجهِ مشكاتي

لمَّا غفوتِ .. تشظَّى العمرُ مُختصِفاً

عتْمَ الشُجونِ .. وكسفٌ شجَّ مرآتي

أضحى الظلامُ يَدُسُّ التيهَ في سَفَري

ويسكبُ البُعدَ في طولِ المسافاتِ

ذاكَ السديمُ فراغٌ صارَ يَجْذبُني

إلى التلاشي هلاكاً فوقَ أنَّاتي

تلكَ الشجونُ تمادتْ في مُصادَرَتي

مني ..لِذا نضبتْ أبهى مساحاتي

ضاقتْ حروفي كأنّي فيها مُغتربٌ

ولمْ تجدْ وطني أزهى المجازاتِ

أوّاهُ يا جسدي أيُّ الجراحِ أنا

حتّى تعيشَ قروحاً في الجراحاتِ

ما زالَ فوقَ نقاطِ التاءِ شقشقةٌ

هي الجوازُ إلى منفى البلاءاتِ

يستحضرُ الأمسَ - فالنسيانُ مُعْتَقَلٌ -

جِنُّ الخواطرِ منْ أقصى البداياتِ





أُمَّاهُ ذا طيفُكِ المكنونُ في مُقلي

أصدافُهُ اختزلَتْ بحرَ الحكاياتِ

في بطنِها انبجستْ رؤياكِ .. واندلقتْ

حينَ الولادةِ شلاّلاً إلى الذَّاتِ

حيثُ الفضاءُ الذي قدْ ضمَّني حَدَثاً

أحضانُ عينِكِ لا حضنُ المجرَّاتِ

حينَ رماني هناكَ العمرُ والتقطتْ

لحمي يداكِ وغرتِ في التحيَّاتِ

هذا العُروجُ إلى التابوتِ يُلْهِمُني

أنَّ احتضانَكِ مسرى للفضاءاتِ

وأنَّ عينَكِ أبوابٌ مُشرَّعةٌ

منها نفذتُ إلى فيضِ السماواتِ

أنا تعلَّقتُ منْ حبلي بموهبتي

تلكَ المشيمةِ في رحمِ المشيئاتِ

حتّى ولدتُكِ مجبولَ المخاضِ هنا

في نعشِ قلبي مليئاً بالرجاءاتِ

أنا حملتُكِ في مهدٍ يميدُ بهِ

حزنٌ تدفقَ منْ أنهارِ مأساتي

وهدهدتْ حُرقي الجثمانَ واتّقدتْ

أخشابُهُ السمرُّ في ثوبِ المسرَّاتِ

هذي عصا الشعرِ في قلبي أهشُّ بها

على المآتمِ كي ترعى نبوءاتي

ما إنْ توكأتُ أبياتاً أقومُ بها

من هجعةِ الحُزنِ .. لمْ تنفعني أبياتي

تَفَرْعَنَ الدَّمعُ لمَّا اكتظ في مقلي

سحرُ البكاءِ وألقى فيَّ آهاتي

حتى عصا الشعر أُلقيها وتخذلني

لمْ تلقفِ الهمَّ إذ ألقيتُ آياتي

أنا حَسِيراً هنا أرتدُّ يا بصري

من المقابرِ إذ واريتُ جنَّاتي

تلكَ الرسالاتُ في أُمّي قدْ افترشتْ

أقْدَامَها .. فزكتْ كلُّ الرِسَالاتِ

فيها توحَّدَ والتوحيدُ مُزْدلِفٌ

من التنفّلِ في كلِّ الدِّياناتِ

  



عَطْشى لِذكرِكِ يا أُمَّاهُ أروقتي

أصداءُ خَطْوِكِ في عمري مجسَّاتي

مازالَ شَزْرُكِ أحرازاً تُسيجني

منذُ انتعلتُ شعاراً في مساراتي

ومنذُ كنتُ أُواري الطيشَ في دُشمي

وأرْتقُ العيبَ في ثوبِ الملذاتِ

مازالَ ظهري يضمُّ الوسْمَ إذ نزلتْ

كفٌّ تربِِّتُ للتكريرِ خاماتي

تلكَ الحكاياتُ كمْ - يا أمَّنا - اختزلَتْ

طولَ الدهاليزِ في إصلاحِ عَاداتي

ما كفَّ منكِ شعاعُ الخوفِ يُرْشِدُني

مثلَ القناديلِ في مَسْرى الحماقاتِ






ذاكَ البصيصُ الذي ما كنتُ أفقدُهُ

إلاّ تعثرتُ في أجلى المَمَرّاتِ

يا بلسمَ الليلِ مَنْ إلاّكِ يجمعهُ

في نجمِ سِحْرٍ مضيءٍ بالخيالاتِ

عَطْشى لِذكرِكِ يا أُمَّاهُ أروقتي

باتَتْ تطنُّ جفافاً في عذاباتي

أخفى الحنانُ سنيني .. كلّما اتّقدتْ


نارُ المشيبِ برأسي كنتِ مِمْحَاتي

حتّى الثلاثونَ لمْ تمضي بمقلتها

وما تزحزحتُ في عمري بمرساةِ

مازلتُ فيكِ الرضيعَ الغضَّ حيثُ أنا

سارٍ تُبَضّعُ في عمري محطاتي

لمَّا غفوتِ .. تبدّى العمرُ وانحسرتْ

عني السنونُ على أبلى نفاياتِ

ما عدتُ في زمرةِ الأولادِ منذُ خبتْ

أُمي عن الذكرِ في طيِ الوفيّاتِ

إنَّ السنينَ بلا أُمٍ تلوذُ بها


جرداءُ موحشةٌ منْ دونِ واحاتِ

  



هذا قماطُكِ في جلدي يُذكِّرني

أنّي زبورُكِ مكتوبٌ بِـ "جيناتِ"

هذا حليبُكِ في حبري يُكاتبُني

وذي دماؤكِ تجري في كتاباتي

أنا امتدادُكِ مُذْ أحصيتُ في قلمي

سيلَ الأمومةِ في مجرى المقالاتِ

أنا أدِيمُكِ ما فرطتُ في صِفةٍ

وذي سِمَاتُكِ سَادَتْ في كُريَّاتي

ما زالَ صدرُكِ يا أُمّاهُ يحملُني

طفلاً .. يَلفُّ ذراعُ الحُبِّ ذرَّاتي

كفّي تُحملقُ صوبَ الله أبعثُها

حينَ رفعتي بنائي كالمناراتِ

أنا تلمَّسْتُ أبوابَ السماءِ ولمْ

أدري بِأني مُطِلٌ منْ مَسَاماتي

تلكَ الثقوبُ ألا تنمو فتقبِرُني

حتّى أُسِّسَ في جلدي مغاراتي

ها قدْ نفذتُ إلى القرْطاسِ مُكتشِفاً

وما تأزمتُ من كلِّ الثقافاتِ

هناكَ أمي على لوني مكامِنُها

ومنْ دلالِها نقشٌ فوقَ عاداتي

أنا صَنيعُكِ .. في طبعي يُخلِّقُني

حَبْلُ الوراثةِ مجبولَ المزيّاتِ

أنا حملتُكِ موروثاً يُقاسِمُني

ذاتي ويظهرُ في نهجٍي وخِلاّتي

مُذْ بعتني باكياً نذراً رميتي بهِ

في حِجْرِ ناعيةِ "المظلومِ" كالشَّاةِ

ما زلتُ عبدَ الحسينِ اليومَ مؤتزراً

بالحزن ترفلُ أذيالي بدمعاتي





ولا تزالُ قيودُ الحبِ تُلْزمُني

عشقَ الحسينِ مدارَ الانتصاراتِ

ما زلتُ فيهِ كما شئتِ يُشايعهُ

حبٌ يُفجِّرُ عاشوراءَ في ذاتي

  




متى نضوتِ خلايا الروحِ عنْ جَسَدٍ

أعطى الحياةَ وصرتِ كالجماداتِ

متى لبستِ سُكوناً باهتاً ونأى

لونُ الحِراكِ بصَمْتِ "الإصفراراتِ"

توقّفَ الوقتُ .. ! هلْ أرجاؤكِ انطمرتْ

في هوَّتِ الموتِ..؟! أمْ أرقامُ سَاعاتي ..!

يا "أمَّ سَلمانَ" يا بيتاً نودِّعُهُ

ويا كياناً تباهى في البيوتاتِ

ما أقفرَ الكونَ في "نحنُ" وقدْ نقصتْ

"أنتِ" مِنْ الحقلِ يا زهرَ المجرَّاتِ

موتى بدونكِ حولي الناسُ كُلهمُ

أو إنّني ميِّتٌ ما بينَ أمواتِ

يا "أُمَّ سَلمانَ" هذا العمرُ مُتكأيْ

في أنْ أفيضَ بكيّاً نحو لوعاتي

وقدْ تطوّفتُ موتورَ المُنى وَجِلاً

بفتحةِ القبرِ .. ما هذا بميقاتِ

فهلْ أهالَ ضُحانا حينما دفنوا

أُمّي تفجعُنا في جَرْفِ مِسْحَاتِ

أنا الورودُ التي في حُزنِها رقدتْ

على تُرابِكِ في لونِ المساءاتِ

خُذي جُذوري إلى الأعماقِ واختطفي

عطراً لياسينَ منْ زهرِ التلاواتِ

فما سَكبتُ تراتيلاً مُضمَّخةً

بالحزنِ إلاّ ثراكِ كأسُ زخّاتي



فالمُلْكُ والقدْرُ والإخلاصُ منْ مُقلي

وسورةُ الحمدِ يا أُمَّاهُ باقاتي

أودعتكِ اللهَ .. في جُرْحٍ قضيتِ بهِ

حيثُ الجروحُ لُحُودٌ للجريحاتِ
------------------------------------------------------
الشاعر : السيد الجبيلي
------------------------------------------------------

شكراً اخوي
للعلم كاتب القصيده ابي
الملقب بسيدالجبيلي